على الرغم من أن هذا الكتاب مجموعة من الأحاديث الصحفية الصادرة عن آنيّةٍ كُتبت فيها، فإن ما تضمّنته من رؤية عمة تُجاوِزُ الجزئي العابر إلى الكلِّيّ الثابت، قد جَعَلها حقائق عامة على العرب أو يَعُوها، ويسيروا على هَدْيَها في صراعهم المصيري مع الكيان الصهيوني المستكْبِر. إننا نقرأ ما كتبه هيكل بين 5 تشرين الأول/ أكتوبر 1973 وأول شباط/فبراير 1974، فنحس أنه إنما يكتب لزمننا، ويُعالج وضعاً نحن فيه، ويصف صراعاً نتخبط في نفقه المظلم.
وهذه، من الكتاب، عَيِّنةٌ دالَّة يقدم لنا بها هيكل، عن الاستراتيجية الصهيونية لأمْن إسرائيل، صورةً فوتوغرافية صارخة، تشكل حقيقة كبرى من حقائق الدولة العبرية، وتكشفُ أساساً راسخاً من أسسها، وخطة جهنمية ينبغي للعرب أن يضعوها نُصبَ أعينهم، وينطلقوا منها في رسم استراتيجيتهم المواجهة لاستراتيجية عدوّهم:

"ومعنى هذا: أن على إسرائيل أن تواجه الكَمّ العربيّ الكبير بِـ كيفٍ إسرائيليٍّ مُنْتَقَى."

"عليها أن تواصل باستمرار تطوير الكيف الإسرائيلي وتدعيمه، بشرياً بالهجرة من بلاد متقدمة، وعلمياً بتوجيه جزء هام من مواردها إلى العلوم والتكنولوجيا."

"وعليها، في الوقت نفسه، أن تدفع الكمَّ العربي ليكون وراء أسوار التخلُّف، ولا تسمح له، مهما كانت الظروف، أن يحوِّل نفسه من حجم الكمّ إلى صفة الكيف".

"إن سياسة إسرائيل هي باختصار:

• أن تجعل العدد الإسرائيلي المحدود عدداً ذا قيمة،


• أن تُلغي، في الوقت نفسه، قيمة العدد العربي اللامحدود.


• فإذا ضاعت قيمة العدد العربي، فإنه يتحوّل إلى عبء، ولا يكون ميزة".

"بعد أسوار التخلُّف، وحبْس العرب وراءها، يجيء دور حائط الخوف، وتجميد العرب في ظلاله الكئيبة"

إن الكاتب العربي الكبير، محمد حسنين هيكل، استطاع، بكلامٍ كتبه منذ أكثر من ربع قرن، أن يتخطَّى زمناً رديئاً كان العرب فيه، إلى حقائق عامة، أدركها بعقله المحلل ومُعْطياته الغنيّة، حقائق الصراع العربي الصهيوني، الذي هو صراع وجودٍ لا صراعُ حدود.

إنه، بهذا الكتاب، يقدِّم أُمثولة بالغة الأهمية، ويلقيها على العرب اللاهين عن الخطر، حُكّاماً ومحكومين